كاتــش |:| يقدم |:| كتاب نداء الى الضمير |:| السلسله (1) |:| برعاية Katch

.





بِسَمْ الَله الَراحْمَنْ الْرحِيَْمْ



والصَلاةْ والسَلامْ عَلىْ رَسُوْلْ الِلهْ



مُحَمَدْ بِنْ عَبْدِالَله وعَلْىَ آلَهْ وصَحْبِهْ وَمَنْ وَالَاهْ إلَِىْ يَوْمْ الِقيَامَهْ



أمَا بَعدْ



بَعْدَ التَحيَه والسَلامُ والَمقْدمَهَ



يسَرنْيْ ويَسْرْ فَـرِيـَقْـَيْ



كَــــاتــْـــــَـــــشْ


انْ نُقَدِمْ مَوْضُوعَ مُهِمْ جَدْاً دَعُونَا نَتَعْرَفْ عَلَيْهَ





[...نِدَاء إلْىَ كُلْ صَاحِبْ مَحَْـلْ تِجَارِيْ...]


أخي المسلمَ ، حتى يتيسَّر لك القيامُ بحقوقِ اللَّهِ ـ سبحانه وتعالى ـ في معاملةِ

خَلْقِه ينبغي أن تعتقدَ جازماً بأمرين :

الأول : أن إخفاءَ العيوبِ في السّلعِ وترويجها ، وثناءَك عليها بما ليس فيها وعدمَ عدلك

في الكيل و الوزنِ وسائرِ المقادير ـ لا يزيد في رزقك بل يمحقه ، ويذهبُ بركتَه ، وما

تجمعه من الغِشِّ والتلبيس يهلكه اللَّه دفعةً واحدةّ ، فإذاً لا يزيد مالٌ من خيانةٍ ، كما لا

يـــنقص من صدقةٍ ، ومن لا يعرف الزّيادةَ والنّقصانَ إلا بالميزانِ لم يصدِّق بهذا .

الثّاني : أن تعلمَ أن ربحَ الآخرةِ وغِنَاها خيرٌ من ربحِ الدُّنيا ، وأنَّ فوائدَ أموالِ الدُّنيا

تَـنْقضي بانقضاءِ العُمُر ، وتبقى مظالمها وأوزارُها ، فكيفَ يَـسْـتَجيزُ العاقلُ أن يستبدلَ

الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ ، والخيرُ كُـلُّه في سلامةِ الدِّين .

تَفْـنَى اللَّذَاذَةُ ممن نالَ شَهْوتـَه مِن الحرَامِ ويَـبْقى الإثمُ والعارُ

تَبقى عَوَاقبُ سوءٍ في مَغَـبَّتها لا خيرَ في لَذَّةٍ من بعدها النّارُ

∫Ξ∫

ويقول الآخر:

فلا تقرب الأمرَ الـحرامَ فإنَّه حلاوته تفنَى ويـَبْقى مَريْرُها

أخي المسْلمَ ، أنت تشهد أن لا إله إلا اللَّه ، وأنَّ محمداً رسولُ اللَّه ، ولكن لا يكفي

مجردُ النّطقِ بها ، بل لابد أنْ تعملَ بمقتضاها ، وأن تكونَ خالصّةً من قلبكَ ، فهلْ تدري

ما إخلاص لا إله إلا الله؟ ، اقرأ معي هذا الحديث : قال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ

قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة )) قِـيْـلَ: وما إخلاصُهـا ؟ قال : تحجزه عما حرم
الله )) .

فإن قلتَ : إذا بينت عيوبَ السّلعةِ ، فلن تشترى ، قِـيلَ لك : ليس الأمرُ كذلك ، إذ

شَرْطُ التاجرِ المسْلمِ الذي يخاف اللَّهَ واليومَ الآخرَ ، أن لا يشتري للبيعِ إلا الجيدَ الذي

يرتضيه لنفسِه لو أمسَكَه ، ثم يقنع في بيعه بربحٍ يسيرٍ، فيبارك اللَّهُ له فيه ، ولا يحتاج بعد ذلك إلى التلبيس والغش .

واحفظوا أيمانكم

أخي المسلمَ ، يعتادُ كثيرٌ من التُّجارِ ، والباعةِ الحلفَ لينفقَ سلعتَه ، أو ليزيدَ ثمنَها ،

وهَذَا خُلُقٌ ذميمٌ ، فإنَّ الحلفَ لاينبغي البتةَ ، وقد توعَّدَ اللَّه سبحانه وتعالى المنفقَ

سلعتَه بالحلفِ وعيداً عظيماً ، زاجراً من كانَ في قلبه مثقالُ ذرةٍ من إيمان ، يقول الله

سبحانه وتعالى : { إنَّ الذينَ يَشْترونَ بِعَهْدِ الله وأيمانِهِم ثمناً قَليلاً أولئكَ لا خَلاقَ لهمْ

في الآخرةِ ولا يُكَلِّمُهُمْ الله وَلا يَنُظُرُ إليهِم يومَ القِيَامَةِ وَلايُزَكِّيهم ولهمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ } [آل عمران:77].

وهذا كما ترى وعيدٌ شديدٌ يهزُّ قلبَ المؤمنِ . وقد اشتملَ على خمسةِ أمورٍ عظيمةٍ

الأول : أنَّهم لاحظَّ لهم في خيراتِ الآخرةِ ، ولانصيبَ لهم من نعيمِ الجنَّة ، وما أعدَّ اللَّه

ل
أهلها فيها دونَ غيرهم .

الثّاني : أنَّ اللَّه ـ سبحانه وتعالى ـ لايكلِّمُهُم بما يسرُّهم .

الثّالثّ : أنَّ اللَّه سبحانه وتعالى لايعْطِف عليهم بخيرٍ ، مقتاً من اللَّه لهم .

الرّابـع : أنَّ اللَّه سبحانه وتعالى لايطهِّرهم من دَنَسِ ذنوبهم .

الخامس : أنَّ لهم عذاباً أليماً موجِعاً .

وعن عبدِ اللَّهِ بنِ أبي أوفى ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رجلاً أقامَ سلعةً وهو في السّوقِ

فحلفَ باللَّه لقد أُعطيَ بها مالم يُعطَ ليوقع فيها رجلاً من المسلمين ، فنزلت :

{.... إنَّ الَّذِيْنَ يَشْتَرُوْنَ بِعَهْدِاللَّهِ وأيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِـيْلاً ....} .

وفي رواية :أنَّ رجلاً أقامَ سلعةً أوَّلَ النّهارِ فلمَّا كان آخره جاءَ رجلٌ يُسَاومُه ، فحلفَ

لقد مَنَعَها أوَّل النّهارِ من كذا وكذا ، ولولا المساءُ ماباعها به ، فأنزلَ اللَّهُ ـ عز وجل َ ـ :

{ إنَّ الَّذِيْنَ يَشْتَرُوْنَ ...}الآية و قال صلى الله عليه وسلم : ((ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ

الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ : رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ

كَاذِبٌ ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ، وَرَجُلٌ

مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ : الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي ؛ كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ ))

و قال صلى الله عليه وسلم : (( ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا

يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثَ مِرَارٍ قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُسْبِلُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ
بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ))

وزيادة على هذا الوعيدِ الشّديدِ في الآخرةِ على المنفق سلعته بالحلف ، فإن ذلك ممحق للبركة ، قال صلى الله عليه وسلم : ((الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ ))وفي رواية ((للربح)) .

لا تبع على بيع أخيك

المسلم أخو المسلم ، ومن حقوق هذه الأخوة أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من

الخير ، ومن ذلك ألايـبيع على بـيع أخيه ، قال صلى الله عليه وسلم :

(( لاتلقـوا الرّكبان ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ )) وقال أبو هريرة :

(( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّلَقِّي وَنَهَى عَنِ النّجْشِ … وَأَنْ يَسْتَامَ الرّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ ))
وهذا في حكم المرفوع .
وفي هذين الحديثين نهيٌ عن أربعة أمور محرمة يقع فيها كثير من النّاس وهي :
1 ـ بيع الرّجل على بيع أخيه .
2 ـ وسومه على سومه .
3 ـ وتلقي الرّكبان .
4ـ والنّجش .

∫Ξ∫
أما الأول : وهو بيع الرّجل على بيع أخيه فيكون على صورتين : في البيع والشّراء .

∫Ξ∫

الأولى : أن يشتري “محمد” من “علي” سلعة مـا وهما في مجلـس العقد لم يتفرقا ،

∫Ξ∫

وخيارهما باقٍ ، فيأتي “زيد” ، ويعرض على“محمد” سلعة مثل التي اشترى من

∫Ξ∫

“علي” بأرخص ثمناً منها ، أو أجود منها بسعر سلعة “علي” .

∫Ξ∫
الثّانية : أن يبيع “عثمان” سلعة على “إبراهيم” بخمسة آلاف ثـم يجيء “أحمد” إلى
“عثمان” فيطلب منه السّلعة بأكثر من الثّمن الذي دفعه “إبراهيم” في تلك السّلعة ،

حتى يندم “عثمان” فيفسخ العقد .

∫Ξ∫
وأما الثّاني : فهو سوم الرّجل على سوم أخيه ، وصورته:

أن تُعرض سلعةٌ ما ثم يأخذها رجل ليشتريها بثمن رضي به مالكها ثم بعد ذلك يجيء

رجل آخر ويزيد في ثمن السّلعة حتى يردها البائع من المشتري الأول ، فهنا جاء هذا

الرّجل وقد رضي مالك السّلعة بالثّمن الذي عرضه عليه الأول . أما إذا لم يكن قد

رضي بالثّمن الذي عرضه عليه الأول ، أوكان الشّيء معروضا لمن يزيد في الثّمن ،

وبعض النّاس يزيد في ثمنه على بعض ، فذلك غير داخل في النّهي .

∫Ξ∫

وأما الثّالثّ : فهو تلقي الرّكبان ، وصورته :

أن يأتي تاجر غريب عن البلد يحمل بضائع ، فيتلقاه تاجر من أهل البلد ، قبل أن يقدم

إلى السّوق ويعرف سعر البلد ، فيشتري منه بضاعته بأرخص من سعرالبلد ، فهذا

وكل ما أشبهه منهي عنه ، لما فيه من الخديعة .

وأما الرّابع : فهو بيع النّجش ، وصورته :

أن يزيد الرّجل في ثمن السّلعة وهولايريد شراءها بل ليخدع غيره ويغره ليزيد في ثمنها

أكثر مما كان سيزيد لو لم يسمع ذلك النّاجش قال ابن أبي أوفى : “ النّاجش آكل رباً خائن ”

ويدخل في النّجش من سئل عن ثمن السّلعة فأخبر بأكثر مما اشترى
به

، قال البخاري :“ وهو خداع باطل لايحل” قال النّووي : “ أجمع العلماء على منع

البيع على بيع أخيه والشّراء على شرائه والسّوم على سومه ” ، وقال في النّجش : “

وهذا حرام بالإجماع ” و أصل النّجش الاستثارة لأن النّاجش يثير الرّغبة في السّلعة

اجتنب بيع ما فيه صور

∫Ξ∫


أخيالكريم ، لقد حذرنا الرّسول صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من الصّور

، فقال صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ ))،

وقال صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصّوَرُ لا تَدْخُلُهُ الْمَلائِكَةُ )).

قال النّووي ( تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم ، وهومـن الكبائر لأنه متوعد عليه

بهذا الوعيد الشّديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعته بما يمتهن أوبغيره فصنعته حرام

بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله سبحانه وتعالى وسواء ماكان في ثوب أوبساط ))أو غيرها .

فتصوير ماله روح من إنسان أوحيوان أوطيرأوغيرها محرم((ولا فرق في تحريم التصوير بين

أن تكون الصّورة لها ظل أو لا ، ولابين أن تكون مدهونة أو منحوتة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة ))

وإليك أيها المسلم ، هذا الحديث العظيم الذي يبين لك حرمة كسب الصّور والاتجار بها .

عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ

فَقَالَ:
يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي ، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ ،

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لا أُحَدِّثُكَ إِلا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ،

سَمِعْتُهُ يَقُولُ : (( مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا ))

فَرَبَا الرّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً ، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ ، فَقَالَ (أي ابن عباس) : وَيْحَكَ ،

إِنْ
أَبَيْتَ إِلا أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشّجَرِ كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ ))

احذرهم

إن من عقائد النّصارى تقديسَ الصليب فهم يعظمونه ويعدونه شعاراً لهم ، ويسعون

جاهدين بكل ما أوتوا من إمكانات ليدخلوا غيرهم في النّصرانية “ الأمر الذي دفـع علماء

اللاهوت إلى وضع التنصير من بين العلوم اللاهوتية التي لها أصولها وفروعها

ومناهجها ويدرس في كبرى الجامعات والمعاهد ”

لقد سلك الصّليبيون وسائل خفية وحذرة في بعض البيئات لما رأوا من اعتزاز المسلم

بعقيدته وتمسكه بها ، وفقدانه التصور أو القابلية لتغييرها .

هذه الوسيلة هي جعل شـعارهم الصّليـب تـحت عيني المسلم ، يراه في

المفروشات والألعاب وبرامج الحاسب والآلات ، والعلامات التجارية، والسّيارات

والملابس وغيرها من الأشياء التي يستعملها المسلم ، لماذا ؟ حتى يألف

المسلم مرأى الصّليب ، وتنكسر تلك النّفرة منه فتمهد هذه الخطوة لما بعدها ؛

ولذلك فقد
حمى المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ جناب التوحيد ،

وسد كلَّ طريق يوصل إلى الشّرك وأسبابه ، فحذر وأنذر ، وأبدى وأعاد ، وخص وعم ،

وقطع الوسائل والذرائع المفضية إليه

فعن عائشة ـ رضي الله عنها “ أن النّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي

بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلا نَقَضَهُ ”

وعن أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أُذَيْنَةَ قَالَتْ :“ كُنَّا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَرَأَتْ عَلَى

امْرَأَةٍ بُرْدًا فِيهِ تَصْلِيبٌ فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : اطْرَحِيهِ اطْرَحِيهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى

الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى نَحْوَ هَذَا قَضَبَهُ ”

فعليك ـ أخي التاجر ـ أن تراقب بضاعتك أيا كان نوعها. ثم اعلم أن للصليب أشكالا

كثيرة مختلفة يحاولون دسها إلينا في منتجاتهم التي يصدرونها ؛ ولذلك فقد تخفى

على كثير من النّاس فتنبه لها .

لا تلهك سوق الدنيا عن سوق الآخرة

أخي الكريم ، اعلم ـ علمك الله كل خير ـ أنه لايجوزلعاقل أن يقدم دنياه الزّائلة الفانية ،

على آخرته الباقية ، ولايجوز لمن عرف وأيقن يقيناًجازماً لا يساوره شكٌّ ولاريب ،

بما أعده الله لعباده في جنته من النّعيم المقيم ، وماتوعدهم به في ناره من العذاب الأليم ـ

أن يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة ، وما أسواق الآخرة ؟ إنها المساجد وكل

ما يقرب إلى الله من الأعمال الصالحة .

كَانَ عَطَاءُ بن يَسَارٍ (( إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ دَعَاهُ فَسَأَلَهُ مَا مَعَكَ

وَمَا تُرِيدُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ قَالَ عَلَيْكَ بِسُوقِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هَذَا سُوقُ الآخِرَةِ ))

يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ مادحاً عباده الذين يجمعون بين طلب الرّزق بالبيع

والعبادة :{ في بُيُوتٍ أذِنَ الله أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فيهَا اسمهُ يَسَبِّحُ لَهُ فيهَا بالغدوِّ وَالآصَالِ

رِجَالٌ لاتُلْهِيهِمْ تجارَةٌ وَلابَيعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإقَامِ الصَّلاةِ وإيتَاءِ الزَّكَاةِ}[النّور:36،37]

فبينت الآية أن من صفات المؤمنين أنهم يبيعون ويشترون ولكن إذا جاء وقت الصلاة

تركوا كل ذلك وأقبلوا عليها .

فاحرص على أن تكون من هؤلاء الذين أثنى الله عليهم في كتابه ، وإن لهم عنده ـ

سبحانه وتعالى ـ أجراً عظيماً ، فإذا أُذِّن للصلاة ، فأغلق متجرك ، وأقبل على الله ،

وأدِّ ما افترضه عليك ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما يروه عن ربه

: (( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ))

فإذا أديت الفريضة فأتبعها بالنّافلة ، فإن ذلك سببٌ لمحبة الله سبحانه وتعالى لك ،

وكفى بهذا دافعاً وحافزاً ، فإن محبة الله للعبد أجل مطلوب ، وأعظم مرغوب ،

ويتبين ذلك في تمام الحديث السّابق : (( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ))

ثم إن النّوافل تكمل ما نقص من الفريضة بالسّهو والغفلة وغير ذلك .

أخي المسلم : إن الصّلاة شأنُها عظيمٌ ، وهي أول ماتحاسب عليه يوم القيامة

فإن
صلحت أفلحت ، وإلاخسرت خسارة عظيمة والعياذ بالله .

اقرأ معي هذا الحديثَ العظيمَ الذي يبين لك ماذكرته : قال الحسن البصري

رحمه الله
: (( قدمت المدينة ، فقلت : اللهم يسِّرلي جليسا صالحا ، قال :

فجلست إلى أبي هريرة ، فقلت : إني سألت الله أن يرزقني جليسا صالحا،

فحدثني بحديث سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعل الله أن ينفعني به ،

فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن أول ما يحاسبُ به

العبدُ يوم القيامة من عمله
صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدت فقد

خاب وخسر ، فإذا انتقص من فريضته شيئاً قال الرب ـ تبارك وتعالى ـ انظروا هل

لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله على ذلك ))

فإذا أديت الفريضة مع جماعة المسلمين فاخرج بعد ذلك إلى متجرك موفقا ومباركا لك

في تجارتك إن شاء الله ، وقد انشرح صدرك ، واطمأنت نفسك، وعليك بذكر الله ،

وسؤاله الرّزق الحلال ، والكسب الطيب . قال سبحانه وتعالى :{ فِإذا قُضِيتْ الصَّلاة

فَانتشِروا في الأرْضِ وابتَغُوا مِن فَضْلِ الله واذْكُروا الله كثيراً لعلَّكُمْ تفلحُونَ }

[الجمعة:10] وهذا هو حال المؤمن يؤدي فريضة الله ثم يسعى في أرض

الله ويسأله من فضله وكرمه وجوده
، قال ابن تيمية رحمه الله : “ وهذا وإن

كان في الجمعة فمعناه قائم في جميع الصّلوات ، ولهذا ـ والله أعلم ـ أمر

النّبي صلى الله عليه وسلم
الذي يدخل المسجد أن يقول: ((اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي

أَبْوَابَ رحمتك )) وإذا خرج أن يقول : ((
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ )) ”

وكان عراك بن مالك ـ وهوأحد الصّحابة ـ رضي الله عنه إذا صلى الجمعة

انصر
ف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك

وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرّازقين )) .

وقال بعض السّلف : من باع واشترى يوم الجمعة بعد الصّلاة بارك الله له سبعين مرة ))

أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده

ليكن لك في سلفنا الصّالح من الصّحابة والتابعين لهم بإحسان قدوة حسنة

فقدكانوامثالايحتذى في المحافظة على حرمات الله ، واتباع أوامره ،واجتناب نواهيه ،

قال قتادة رحمه الله( كـان القــــوم يتبايعون ويتجرون ، ولكنهم إذا نابهم حق من

حقوق الله لم تلههم تجارة ولابيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله ))

وفيهم قال الله سبحانه وتعالى :{ رِجَالٌ لاتُلهِيهم تجارةٌ وَلابيعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإقَام الصَّلاةِ } .

كان الصّحابي الجليل عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ في السّوق ، فأقيمت

الصّلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت : {رِجَالٌ لاتُلهِيهم

تجارةٌ وَلابيعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإقَام الصَّلاةِ} وقال سفيان الثّوري :“ كانوا يتبايعون ولايدعون

الصّلوات المكتوبات في الجماعة ”

أولئك الرّجال “لم تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذُّ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي

هو خالقهم ورازقهم ، والذين يعلمون أن الذي عنده هو خيرلهم وأنفع مما بأيديهم

لأن ما عندهم ينفد وما عندالله باقٍ ، ولهذا قال سبحانه وتعالى : { لاتُلهِيهم تجارةٌ وَلابيعٌ عَن ذِكْرِ الله

وَإقَام الصَّلاةِ وإيتَاءِ الزَّكَاةِ} أي يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم”

الخاسرون إذا ربح الناس

أما أولئك الذين منعتهم أسواق الدنيا عن أسواق الآخرة ، ونسوا أو تناسوا

ما هم مقدمون عليه ، فأضاعوا فريضة الصّلاة فهم الخاسرون يحبسون أنفسهم في

محلاتهم ، حتى ينتهي المسلمون من الصّلاة :{ يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلايَسْتَخْفُونَ

مِنْ الله وَهُوَ مَعَهُمْ } [النّساء:108]

أو يقفون على الطرقات يراقبون الذاهبين إلى الصّلاة ، إن أولئك قد حرموا أنفسهم

خيرا عظيما ، وأضاعوا أمراً جسيماً إذ الصّلاة عمادُ الدِّين ، وهي ركنُه الرَّكين ،

و الحدُّ
الفاصل بين الكفر والإيمان قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

(( بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ ))

أبشر أيها المسلم المحافظ على الصّلاة ببشرى عظيمة من صاحب رسول الله ـ

صلى الله عليه وسلم ـ ، عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما فقد دخل فرأى قوما

يصلون ،
فقال بعث النّار أحد ، ثم قرأ : { مَا : يأيها النّاس أبشروا فإنه ما منكم من سَلَكَكُمْ في سَقَرَ قَالوا لم

نَكُنْ مِنْ المصَلِّينَ }

أما بعث النّار الذي ذكره ـ رضي الله عنه ـ ، فإليك خبره ، حتى تعرف عظم هذه البشرى

: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم

ق
ـال( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ

أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَعِنْدَهُ يَشِيبُ

الصَّغِيرُ { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى

وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد } ))

يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا (الله أكبر) في شوق وفي جـذل

أرواحهم خشعت لله في أدب قلوبهم من جـلال الله في وجــل

نجواهم ربنا جئـناك طـائعة نفوسنا ، وعصينـا خـادع الأمـل

إذا سجى الليل قاموه وأعينهم من خشية الله مثل الجـائد الهطـل
هم الرّجـال فلا يلهيهم لعب عن الصّلاة ولا أكـذوبة الكســل



كاتب الموضوع : اليوسفي


مصمم الفواصل :ҒeДtUЯeÐ


منسق الموضوع :abo3gab~آبوعقآب

0 التعليقات:

إرسال تعليق