كاتــش |:| يقدم |:| كتاب نداء الى الضمير |:| السلسله (2) |:| برعاية Katch


بِسَمْ الَله الَرحْمَنْ الْرحِيَْمْ
والصَلاةْ والسَلامْ عَلىْ رَسُوْلْ الِلهْ
مُحَمَدْ بِنْ عَبْدِالَله وعَلْىَ آلَهْ وصَحْبِهْ وَمَنْ وَالَاهْ إلَِىْ يَوْمْ الِقيَامَهْ
أمَا بَعدْ
بَعْدَ التَحيَه والسَلامُ والَمقْدمَهَ
يسَرنْيْ ويَسْرْ فَـرِيـَقْـَيْ
كَــــاتــْـــــَـــــشْ
انْ نُقَدِمْ مَوْضُوعَ مُهِمْ جَدْاً دَعُونَا نَتَعْرَفْ عَلَيْهَ

[...نِدَاء إلْىَ كُلْ صَاحِبْ مَحَْـلْ تِجَارِيْ...]

في جزئه الثاني
السهم المسموم
أيها الأخ الكريم ، يامن جعل رضى ربه أسمى هدف ، والفوز بالجنة أكرم غاية،
والنّجاة من النّارأعظم مرغوب ممتثلا بذلك أمر ربك إذ يقول ـ جل شأنه ـ :
{
وَمَا خَلَقْتُ الجنَّ والإنسَ إلاليعبدُونَ} .
أخي المسلم ، إن في جسدك عضوا صغير الحجم ، بقدر مضغة الطعام ،
جليل القدر هو في جسدك كالملك المتصرف في الجنود ، التي تصدر كلها
عن أمره ، ويستعملها فيما يشاء ، فكلها تحت سيطرته وقهره ، وتكتسب منه
الاستقامة والزّيغ ، وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله ، فإن صلح صلح
الجسد كله ، وإن فسد فسد الجسد كله ، فهل عرفت هذا العضو الخطير إنه
القلب ذلك الملك المتربع بين حنايا صدرك !.
إذا عرفت منزلة القلب ، وأن صلاحه صلاح لسائر جسدك ، وفلاح لك في
دنياك وآخرتك ، وسعادة دائمة في الدارين ، والسّعادة مطلب عزيز . وأن
فساده فساد لسائر جسدك ، وخراب لدنيك وآخرتك ، وشقاء وعيشة نكدة
في الدارين .
يقول سبحانه وتعالى
:{أوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لهُ نُورًا يمشي بِهِ في النَّاسِ
كَمَنْ مَثَلُهُ في الظُّلُمَاتِ لَيسَ بخَارِجٍ منهَا } [الأنعام:122]
ففي هذه الآية تصوير عجيب لحال القلب الصّالح الحي ، وحال القلب المظلم.
وإن هذه العقيدة تنشيء في القلب حياة بعد الموت ، وتطلق فيه نورا بعد
الظلمات حياة يعيد بها تذوق كل شيء ، وتصور كل شيء ، وتقدير كل شيء
بحس آخر لم يكن يعرفه قبل هذه الحياة ... هذه التجربة لاتنقلها الألفاظ ،
يعرفها فقط من ذاقها ، والعبارة القرآنية هي أقوى عبارة تحمل حقيقة هذهالتجربة
فالقلب الحي إذا عرضت عليه القبائح نفرمنها بطبعه وأبغضها ، ولم يلتفت
إليها بخلاف القلب الميت ، فإنه لايفرق بين الحسن والقبيح ، كما قال ابن
مسعود رضي الله عنه
((
هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف وينكر به المنكر))
أخي الكريم ، إن القلب الصّحيح هو القلب السّليم الذي لاينجو يوم القيامة إلا
من أتى الله به فهو شرط الفلاح والفوز في ذلك اليوم
العظيم قال ـ سبحانه وتعالى ـ :
{
يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} .
والسّليم هو الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله
ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره .
والقلب الصّحيح السّليم : ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى.
إدراكه فهو صحيح الإدراك للحق ، تام الانقياد والقبول له
والقلب الميت القاسي : لا يقبله ولا ينقاد له.
والقلب المريض :
إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسي ، وإن غلبت
عليه صحته التحق بالسّليم ، فهذا القلب له حياة وبه علة ففيه من محبة الله
سبحانه وتعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه ماهو مادة حياته ،
وفيه من محبة الشّهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والكبر
والعجب ، ماهو مادة هلاكه ، وهو ممتتحن بين داعيين : داع يدعوه إلى الله
ورسوله والدار الآخرة ، وداع يدعوه إلى العاجلة
أخي المسلم ، إذا عرفت هذه الأمور من أحوال القلوب ، وأن نجاتك يوم
القيامة مشروطة بسلامة قلبك، فيجب عليك حينئذ أن تعتني بقلبك أتم
العناية ، فتعرف مايدخله من الخواطر ، وتحفظ النّوافذ الموصلة إليه من كل
مايضعفه ويمرضه، وأن أعظم نافذة على قلبـك وأخطـر منفـذ إليه هو العين
فالعين رائد القلب وهي منظاره التي يرى بها المحسوسات.
وأنت ترى مايرتاد الأسواق من النّساء المتبرجات ، المائلات المميلات، اللاتي
استعان بهن الشّيطان على فتنة الخلق ، فكنَّ من خُلَّص جنده وأعوانه ،والنّساء فتنة
أي فتنة ، قال صلى الله عليه وسلم:
((
مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ))
وقـال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

((
إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ
فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي
إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ))
وكن على ذكر من قول سلمان الفارسي رضي الله عنه:
((
لاتكونن ـ إناستطعت ـ أول من يدخل السّوق ولا آخرمن يخرج منه ،
فإنها معركة الشّيطان ، وبها ينصب رايته))،
فالشّيطان قد حط رحله في السّوق ، وجمع
جنده وأعوانه ليوقع عباد الله في مساخط الله ، حتى يكونوا تبعا له في الدنيا
والآخرة ، فأدار المعركة عليهم ورفع رايته ، فمن اتبع خطواته ساقه أمامه ،
ومن تذكر ربه ، وكف جماح نفسه نجا بإذن الله .
أخي المسلم ، إن أعظم نافذة ينفذ منها الشّيطان إلى قلبك هي العين فهو
يزين لها المشاهد ، حتى تنقلها إلى القلب ، فهي رأس الحواس ، وأخوف
حواسك عليك ، وأقربها إلى الاستيلاء على عقلك وقلبك .
والعين رائد القلب ، وهي مبدأ الزّنا والعياذ بالله فحفظها مهم ، وإن كثيرا من
النّاس يستهين بإطلاق نظره في المحرمات ، والآفات كلها منه تنشأ ، فمن
أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلاك ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعليرضي الله
عنه ، وهومـن هو عفـةوتقـوى وهدى:
((
يا علي لاتتبع النظرة النّظرة ، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة))
فالنّظرة الأولى خاطفة ، وليس لها أثر ، أما الثّانية فإن القلب ينتبه ،
والشّيطان يعتور القلب حتى يمكن تلك النّظرة منه فتستقر الصّورة فيه ، وقد
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
((
إِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ))
فكيف بالقلب!!
وقال جرير رضي الله عنه :
((
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَرِ
الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي))
فالنّظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ، فإن النّظرة تولد الخطرة ،
والخطرة تولد فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد الشّهوة إرادة ، وقد قيل:
الصّبر على غض البصر ، أيسر من الصّبر على ألم ما بعده ، ولهذا قالالشّاعر :
كل الحوادث مبداها من النّظـر ومعظم النّار من مستصغر الشّرر
كم نظرة بلغت في قلب صاحبها كمبلغ السّهم بين القوس والوتـر
والعبد مادام ذاطرف يقلبه في أعين الغيد موقوف على الخطــر
يساء بك الظن فيه ، فلا تضعها في موضع ريبةيسر مقلته ماضر مهجته لامرحبا بسرور عـاد بالضـــــرر
أيها المسلم : “من قارب الفتنة بعدت عنه السّلامة ، ومن ادعى الصّبر وُكِل
إلى نفسه ، وربَّ نظرةٍ لم تناظَر()، وأحق الأشياء بالضبط والقهر اللسانُوالعينُ:
فـتـبصر ولاتَشَـمْكلَّ برقٍ رب برق فيه صواعـق حَيْـن
واغضض الطرف تسترح من غرام تكتـسـي فيه ثوب ذل وشين
فبلاء الفتى مـوافقـة النّفــ ـس وبدء الهوى طموح العــين
أجب أمر ربك

يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ :
{
قل للمؤمنين يغضوا من فروجهم ذلك أزكى لهم
إن الله خبير بما يصنعون أبصارهم ويحفظوا}[النّور:30]
أخي ، هذا أمر من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من
أبصارهم عما حرم الله عليهم فلا ينظروا إلا ما أباح النّظر إليه،
وأن يغضواأبصارهم عن المحارم .
ولماكان النّظرداعية إلى فساد القلب ، كما قال بعض السّلف : النّظرسهم
سم إلى القلب ، أمرالله بحفظ الفروج كماأمربحفظ الأبصارالتي هي بواعث
إلى ذلك ، قال سبحانه وتعالى :
{
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوافروجهم}
أخي المسلم ، “ إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف ، لاتهاج فيه
الشّهوات في كل لحظة ، فعمليات الاستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار
شهواني لاينطفئ ولايرتوي ، والنّظرة الخائنة ..لا تصنع شيئا إلا أن تهيج ذلك
السّعار الحيواني المجنون .
وغض البصر من جانب الرّجال أدب نفسي ، ومحاولة للاستعلاء على الرّغبة
في الاطلاع على المحاسن ، كماأن فيه إغلاقا للنافذة الأولى من نوافذ
الفتنة والغواية ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السّهم المسموم
غض البصر تطهير للقلب
يقول ـ سبحانه وتعالى ـ :
{
ذلك أزكى لهم }
أي أطهر لقلوبهم، وأنقى لدينهم ،
كماقيل:من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرتهفغض البصر ، وحفظ
الفرج ، أطهر للمشاعر ، وأضمن لعدم تلوثها بالانفعالات الشّهوية في غير
موضعها المشروع النّظيف ، وعدم ارتكاسها إلى الدرك الحيواني الهابط ،
وهو أطهرللجماعة ، وأصون لحرماتها وأعراضها ، وجوها الذي تتنفس فيه.
والله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذي يأخذهم بهذه الوقاية ، وهو العليم بتركيبهم
النّفسي وتكوينهم الفطري ، الخبير بحركات نفوسهم ، وحركاتجوارحهم
{
إن الله خبير بما يصنعون }
ويقول ـ سبحانه وتعالى ـ :
{
يعلم خائنة الأعين}أي: النّظر إلى مانهى عنه .
ولغض البصر فوائد
أخي الكريم ، إن في غض البصر عما لايجوز النّظر إليه فوائد كثيرة أرجوأن
تقف عندها بتأمل وتفكر ، ومنها
1أنه امتثال لامر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده …وما
سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره ، وماشقي من شقي في
الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره .
2أنه يمنع من وصول أثر السّهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه .
3 أنه يورث القلب أنسا بالله ، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر
فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
4أنه يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه .
5أنه يكسب القلب نورا ، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة...وإذا استنار القلب
أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء
والشّر عليه من كل مكان.
6 أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها ، وإطلاق البصر يشتت
عليه ذلك ، ويحول بينه وبينها ، فتنفرط عليه أموره ، ويقع في اتباع هواهوفي الغفلة
عن ذكر ربه ، قال ـ سبحانه وتعالى ـ :
{
ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}[الكهف:28]وإطلاق
النّظر يوجب هذه الأمور الثّلاثة بحسبه .
أيهاالأخ المسلم ، من الخلوة في محلك بالمرأة فإنك بعملك هذا تعرض
نفسك لخطرعظيم قدحذرك منه رسولك الكريم أشد التحذير
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ
:
((
إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنصَارِ
يَا رَسُولَاللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ)) .
وقال صلى الله عليه وسلم:
((
لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ))
أخي الكريم ، إن الشّيطان ينتظر هذه اللحظة التي تخلو فيها بامرأة ليزين
لكما ما لا يرضي الله ، فإذاماحدث وأن خلوت بامرأة عن أعين النّاس فانتبهفإن الله يراك ، ويعلم سرك ونجواك
{
يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصّدور}
إذاماخلوت الدهريومافلاتقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولاتحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيـب
واعلم أن عليك شاهدين لا يغيبان :
{
وإن عليكم لحافظين كراما كاتبينيعلمون ماتفعلون}[الانفطار:11]
كيف يخلو وعنده كاتباه شاهداه وربه ذو الجلال
فاحذر أن يكتبا في صحيفتك ما لايسرك أن تراه حين تتطاير الصحف ، فإن
ذلك يوم عصيب ، فتمثل تلك اللحظة الرّهيبة ، التي أنت فيها ـ وقد تملككالخوف ، وعلتك الدهشة :
{
اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليكحسيبا}[الإسراء:14] .
فأحسن العمل أيها الأخ الكريم ، فإن الحساب دقيق .
قال الإمام الحسن البصري ـ رحمه الله ـ وتلا{ عن اليمين وعن الشّمال قعيد} : “
يا ابن آدم ، بسطت لك صحيفتك ، ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن
يمينك ، والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما
الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر ! حتى إذا
مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم
القيامة كتابا تلقاه منشوراً
{
اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}
فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك
أخي المسلم ، إذا خلوت عن النّاس ، ودعتك نفسك إلى ريبة فتذكر هذاالحديث العظيم : قال صلى الله عليه وسلم ـ :
((
لأعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِييَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ
أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً
مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ،جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا
نَعْلَمُ ،قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ،وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ،
وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))
فانظر في حالك إذا خلوت بمحارم الله ، عسى ألاتكون ممن يجعل الله عمله
هباء منثورا ، ذلك الذي إذا اختفى عن أعين النّاس خوفا منهم ، أوحياء ، لم
يخف من الله ولم يستحي منه وهو مطلع عليه .
((فرب خال بذنب كان سببَ وقوعه في هوة شقوة في عيش الدنيا والآخرة
وكأنه قيل له :
ابق بما آثرت ، فيبقى أبدا في التخبيط ، قال أبوالدرداء:إن
العبد ليخلو بمعصية الله سبحانه وتعالى فيلقي الله بغضبه في قلوب
المؤمنين من حيث لا يشعر:
اتق مواضع التهم
أيها المسلم ، إنك تكرم نفسك ، وتعرف لها حقها ، فاحفظها عن كل موضع قد يساء
بك الظن فيه ، فلا تضعها في موضع ريبة:
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها هوانا بها كانت على النّاس أهونا
ولايعني هذا أنك لا تثق بنفسك ، أوأن النّاس مخطئون إن أساءوا بك الظن ، بل إن
هذا من إكرام النّفس ، ومن الأنفة مما ينقصها ، وهذا خلق علمناه الرّسول ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ، وإليك هذه القصة :
جاءت صَفِيَّةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ
رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ،
ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ(أي تذهب إلى بيتها) فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم مَعَهَا يَقْلِبُهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ
سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأنصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :عَلَى
رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالا :
سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَافَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ
يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا))

والرّسول لم ينسبهما إلى أنهما يظنان به سوءا لِما تقرر
عنده من صدق إيمانهما
ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشّيطان ذلك ،
لأنهما غير معصومين ، فقد
يفضي بهما ذلك إلى الهلاك ، فبادر إلى إعلامهما حسماً للمادة ، وتعليماً لمن
بعدهما ، إذا حدث له مثل ذلك ))
ويستفاد من الحديث التحرز من التعرض لسوء
ظن الناس في الإنسان ، وطلب السلامة والاعتذار الأعذار الصحيحة ، وأنه متى
فعل ما ينكر ظاهره مما هو حق وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظن السوء” قال
علي بن أبي طالب :
((
إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره))
قال ابن الجوزي :
((
ومن له نفس لايقف في مقام تهمة لئلا يظن به ))
وماالمرء إلامن وقى الذم عـرضَه وعَـزَّ فلا ذام لديـه ولاغش
وليس بمن يرضى الدناءة والخنى طباعا ولا من دأبه الهجر والفحش
حافظ على أعراض المسلمين ومحارمهم
أخي المسلم الكريم ، الغيورعلى محارم المسلمين ، إن لك عرضا كأمك و أختك
وزوجتك وبنتك لاترضى لهن مايخدش حياءهن ، أليس كذلك ؟ إنك تغارعليهن ، بل

لورأيت أحدا يسيء إليهن لغلى قلبك كما يغلي القدر على النّار ، وهذا أمرحسن ؛ فهو
من صفات المؤمنين ، قال صلى الله عليه وسلم:
((3
، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه ))
أخي المسلم ، إذاكنت كذلك ـ ولا أظنك إلاكذلك ـ فإن عرض أخيك المسلم حرام
عليك ، لايجوز لك انتهاكه بأي وجه من الوجوه .
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
((
كل المسلم على المسلم حرام دمه ، وماله ، وعرضه ))
فاحرص على عرض أخيك حرصك على عرضك ،
وسبق في الحديث
((
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير)).
احذرأيها المسلم من تتبع عورات المسلمين ، ومن إيذائهم في أعراضهم ، فإن هذا
أمر عظيم ، ومن فعله متوعد بوعيد شديد ، عن ابن عمر قال :
((
صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ
فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ مَنْ
أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ
وَلا تُعَيِّرُوهُمْ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ
عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِتَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ
يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ))
أخي المسلم :
إن لك في سلف الأمة خيرَ قدوة ، فاهتد بهديهم ، وسر على
منهاجهم تفز برضى ربك ، وتنل جنته ، وتنج من ناره وعذابه .
قال سلمان ـ رضي الله عنه ـ :
((
لأن أموت ثم أنشر ، ثم أموت ثم أنشر ، ثم أموت
ثم أنشر ، أحب إلي من أن أرى عورة مسلم أويراها مني ))
وأوصى أحدهم ابنه فقال:
(( ...
يابني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته ،
ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيه))
غيرة العرب في الجاهلية!!
أخي الكريم ،
لقد كان العرب في جاهليتهم ذوي غيرة مفرطة ، لا تكاد توصف ، وأنفة عالية ،
حتى كان الرّجل منهم يئد المولودة خشية العار ، وقد صور الله ـ
سبحانه وتعالى ـ حالة أحدهم إذا بشر بالأنثى في قوله جل ذكره:
{
وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم
من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب}[النحل:58،59] .
فإن أحدهم إذا بشر بالأنثى حزن حزنا شديدا ، ويتوارى من القوم فيكره أن يراه
النّاس حياء وخجلا مما أصابه ، وهو إما أن يترك هذه الأنثى مهانة لايورثها ولا يعتني
بها ، أويدسها في التراب حية . خطب رجل إلى أحدهم ابنته فقال :
إني وإن سيق إلي المهـر
ألف وعبدان وخور عشـر
أحب أصهاري إلي القبـر
وكانت العفة حلية الرّجال ، ومفخرة من مفاخر الأبطال ، فهذا عنترة بن شداد يفخر
بأنه يغض بصره إن مرت به جارته حتى تدخل بيتها فيقول:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وكانت الخنساء قبل إسلامها في مراثيها لأخيها صخر حفية بعفته وحيائه أن يفعل
الفاحشة أو يتبع بنظراته النّساء فتقول :
ولم ترَهْ جارة يمشي بساحتها لريبة حين يخلي بيته الجار
ورثى أعشى باهلة المنتشرَ بنَ وهب بأنه عفيف النّظرات فقال :
لايهتك السّتر عن أنثى يطالعها ولايشد إلى جاراته النّظرا
ويقول الآخر مفتخرا بعفافه :
إن للجار إن تغيب عيـنا حافظا للمغيب والأسرار
ما أبالي إن كان للباب ستر مسبل أم بقي بغير ستار
أخي المسلم : هكذا رأيت كيف كانت حياة العرب في جاهليتهم ، وكيف كان عفافهم
من غير وازع إيماني ، فما بال النّاس اليوم وقد أنزل إليهم قرآنا يقول الله عنه :
{
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} [ الحشر: 21]
ألا
إنه لم يقع في قلوبهم ، ولم يخالط بشاشة
أفئدتهم فهذا القرآن الذي لو أنزل على
جبل شاهق راسٍ لتصدع من خشية الله ، فما لهذه القلوب القاسية :
{
ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله
وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من
قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }[الحديد : 16]
قال يزيد بن تميم :
((
من لم يردعه القرآن والموت ، ثم تناطحت الجبال بين يديه لم يردع))
قارب النجــــــاة

قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
((
مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ ،وَالْوَاقِعِ فِيهَا ،كَمَثَلِ قَوْمٍ
اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ،فَكَانَ الَّذِينَ فِي
أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا :لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا
خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا ،فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ،وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى
أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا))
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول
أخي المسلم ، إن ماأنزل الله ـ سبحانه وتعالى ـ في القرآن الكريم ، وفي السّنة
النّبوية الشّريفة من الأوامر والنّواهي لايختص بأحد من المسلمين دون أحد ، بل كل

ما فيها من الأحكام مطالب به كل مسلم بالغ عاقل يفهم الخطاب ويرد الجواب في

حدود الاستطاعة وهذا أمر معروف
.
وأمر آخر وهو أن المسلم مطالب بأن يعمل بالإسلام كله ،
لاأن يأخذ ما يوافق هواه ، ويدع ماسوى ذلك ، يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ
:
{
يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافة ولا تتبعوا
خطوات الشّيطان إنه لكم عدو مبين } [البقرة : 208]
فهذا أمر من الله ـ سبحانه وتعالى
إلى عباده المؤمنين به ، المصدقــين برسوله ،
أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ،
وترك جميع زواجره ماستطاعوا من ذلك فالخطاب في الآية لجميع المسلمين
((
بــالعمل بجميع شرائعه ، وإقامة جميع أحكامه وحدوده ،
دون تضييع بعضه والعمل ببعض
أيها الأخ المسلم ، لاشك أنك موقن بما ذكرته لك . من أن القرآن والسّنة مخاطب
بهما جميع الخلق ، وأنه يجب العمل بجميع شرائع الإسلام وأحكامه ، هذا هو
مقتضى إسلامنا ، إذا فأنا أذكِّرك هنا بحكم أنزله الله في كتابه ، وفي سنة رسوله
صلى الله عليه وسلم ، ألا وهو : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الله

سبحانه وتعالى :
{
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر أولئك هم المفلحون }[آل عمران: 104].
ويقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ :
{
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة ،
ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم }[ التوبة : 74] .
وهذه الآية فاصلة بين المؤمنين والمنافقين ،
وفيها من صفات المؤمنين التي تميزوا بها عن المنافقين
:

ـ موالاة المؤمنين ومحبتهم ورحمتهم ومناصرتهم .
ـ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر .
ـ طاعة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ـ إقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة .
فمن أخل بهذه الصّفات التحق بالمنافقين بحسب إخلاله ، قال سبحانه وتعالى
{ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف
ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون }[ التوبة : 67]
فصفات المنافقين على الخلاف من صفات المؤمنين كما ترى .
ويقول الرّسول صلى الله عليه وسلم :
((
مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ))

قال النّووي رحمه الله :“
وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
الكتاب والسّنة ، وإجماع الأمة ، وهو أيضا من النّصيحة التي هي الدين))
والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فرض كفاية ، أي : إذا قام به من يكفي سقط
الإثم والحرج عن الباقين ، أما إذا تركه جميع الناس ،
أو قام به من لا يكفي أثم كل من تمكن منه بلا عذر

وهو متعين إذا كان في وضع لا يعلم به إلا هو ، أولا يتمكن من إزالته إلا هو . وترك
الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر موجب غضب الله ومقته ، وجالب سخطه وعقابه
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
((
مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي يَقْدِرُونَ
عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلا يُغَيِّرُوا إِلا أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا ))
أخي المسلم ،
أجب أمر ربك
وأمر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومر بالمعروف وانه عن المنكر ، وهذا لا
يتطلب منك جهدا كبيرا ، ولايصرفك عن عملك ، فإذا رأيت ـ وأنت في عملك ـ مالا
يرضي ربك فأنكره بلسانك ، بكلمة طيبة هادئة ، ترضي ربك ، وتطهر مجتمعك ، فإن
لم تستطع ـ ولا أظنك إلا مستطيعاً ـ فلا أقل من أن تنكر بقلبك ، تبغض المنكر ،
وترجو زواله ، وتعين وتشجع من يسعى في إزالته ، وليس دون إنكار القلب مرتبة
ضعيفة من مراتب الإيمان ، فما دون ذلك إلا الرضى بالمنكر ثم استحسانه ثم المتابعة
عليه وفعله ونشره بين الناس ، وكل ذلك ليس فيه من الإيمان مثقال حبة
من خردل ، لأنه عمل لا يقتضيه الإيمان بحال من الأحوال ، بل هو مناف لمقتضياته
فليس لك عذر أمام الله ـ سبحانه وتعالى ـ في ترك هذا الواجب العظيم ، الذي هو
من أعظم قواعد الإسلام .
فإن قال قائل :
إني مقصر ، أو مرتكب لما أنهى عنه ، أو مفرط في بعض الأمور
الظاهرة أو الباطنة ، فلا يسوغ أن آمر أو أنهى وأنا على تلك الصّورة .
قيل له :
هذا تخذيل من الشّيطان وتسويل من النّفس الأمارة بالسّوء وقد قال أئمة
العلم والهدى : لا يشترط في الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر أن يكون كامل
الحال ، ممتثلا ما يؤمر به ، مجتنبا ما ينهى عنه ، بل عليه الأمر وإن كان مخلا بما يأمر
به ، والنّهي وإن كان متلبساً بما ينهى عنه ، فإن المسلم يجب عليه شيئان :
الأول : أن يأمر نفسه وينهاها .
الثاني:ويأمر غيره وينهاه . فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر .
قال سعيد بن جبير :
لوكان المرء لا يأمر بالمعروف ولاينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه
شيء ما أمر أحدٌ بمعروف ولا نهى عن منكر ، قال الإمام مالك وصدق:
من ذا الذي ليس فيه شيء ؟!
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
أخي المسلم ، إن كثيرا من النّاس لم يكتف بتركه الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
حتى ضم إلى ذلك صفة أخرى هي أعظم شناعة من سابقتها ، ألا وهي الوقيعة
في أعراض رجال الحسبة ، الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر ، وما الأمر إلا كما
قال أويس القَرَني ـ رحمه الله ـ إن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لم يدعا
للمؤمن صديقا ، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا ، ويجدون على ذلك أعوانا من
الفاسقين حتى ـ والله ـ لقد رموني بالعظائم ، وأيم الله لا أدع أن أقوم لله فيهم بحقه))
إن هؤلاء الذين ينتقصون القائمين بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم
ويتصيدون أخطاءهم ويعظمونها وينشرونها بين النّاس ، على خطر عظيم ، وقد
جمعوا صفات عظيمة الشّناعة:
ـ ففي فعلهم هذا إيذاء لإخوانهم المؤمنين ، يقول الله سبحانه وتعالى
:{
والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ماكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}[الأحزاب: 58]
وإيذاء المؤمنين صفة من صفات المنافقين ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
((
يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ… ))

ـ وفيه تخذيل للمؤمنين ، الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر ، وتثبيط لهم ،
وإضعاف من هممهم ، وهذه صفة المنافقين ، قال سبحانه وتعالى :
{المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف
ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم}
أما المؤمنون حقا ، فهم يتعاونون ويشد بعضهم من أزر بعض :
إذا العبء الثّقيل توازعته أكفُّ القوم خفَّ على الرّقاب

يقول الله سبحانه وتعالى :
{
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر}.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله :
((
إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن وإذا نهيت عن
المنكر أرغمت أنف المنافق))
أخي المسلم ، إن بعض النّاس يقول عن الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر:
إنهم فضوليون ، وأقول :
هل فعلهم هذا من عند أنفسهم أو هو أمر من الله، إذا فقد
وقعوا في خطأ عظيم ، إذ صيروا أمرا لله فضولا.
وإليك هذا الخبر : قال عمر بن صالح : قال لي الإمام أبوعبدالله(أحمد بن حنبل):
يا أباحفص ، يأتي على النّاس زمان يكون المؤمن بينهم مثل الجيفة ، ويكون المنافق
يشار إليه بالأصابع !!
فقلت : يا أبا عبد الله ، وكيف يشار إلى المنافق بالأصابع ؟. فقال : يا أباحفص ،
صيروا أمرالله فضولا ، وقال : المؤمن إذا رأى أمرا بالمعروف ، أو نهيا عن المنكر ، لم
يصبر حتى يأمر وينهى هذا فضول ، قال : والمنافق كل شيء يراه قال: ؛ يعني قال
بيده على فمه ، فقالوا : نعم الرّجل ليس بينه وبين الفضول عمل))
ـ ثم إن في لمز القائمين بأمر الله تنفيذا لمخططات الأعداء ، وتحقيقا لأهدافهم ، فقد
بذل أعداء الإسلام جهدهم لتشويه صورة الإسلام ، وذلك عن طريق تشويه صورة
حامليه ، وبدءوا حملة مسعورة مستترة استعملت فيها كل أفانين الدعاية والإشاعة
وأساليب علم النّفس والاجتماع لتشويه سمعة علماء الأمة
أخي الكريم ، لو اشتغل كل واحد منا بعيوب نفسه ، واجتهد في إصلاحها ، لكان
خيرا له وأنفع من اشتغاله بعيوب الآخرين ، قال ابن حزم رحمه الله :“ واعلم يقينا
أنه لا يسلم إنسيٌّ من نقص ، حاشا الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ فمن
خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط ،وصارمن السّخف والضعة والرّذالة ... وضعف
التمييز والعقل وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه متخلف
من الأرذال ... فليتدارك نفسه
بالبحث عن عيوبه ، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها
وعن عيوب غيره التي لا تضره
لا في الدنيا ولا في الآخرةقال صلى الله عليه وسلم :
((
يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ، وينسى الجذع في عينه ))
ويقول الشّاعر:
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها لنفسي من نفسي عن النّاس شاغل
أيها المسلم ، إن هؤلاء القائمين بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم يقومون
بواجب عظيم عجزأوتكاسل عنه الكثيرون .
هؤلاء هم الذين يرتفع الإثم والحرج بسببهم عن المجتمع ، إذلوسكت الجميع لأثم
كل المجتمع ، وكذا لوقام بالأمر من لا يكفي .
وهؤلاء بعملهم تدفع أسباب العذاب والفتنة بإذن الله ، إذ السّكوت عن المنكر سبب
لوقوع العذاب .

أرأيت أيها المسلم عظم جناية أولئك المتصيدين أخطاء هذه النّخبة الطيبة
من المجتمع ، وإن العجب لا ينقضي من فعل أولئك أهو بغض للخير وانتشاره ،
أم هو حب في المنكرات وشيوعها ، أم حسد أم جهل وبعد عن تعاليم
الكتاب والسّنة أم غرور وانخداع ببريق زائف خادع ، وإلا فما ينقمون منهم إلا
أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، ويقوموا لله بالقسط ، ألا ما أحسن
أثرهم على الناس ، وأقبح أثر الناس عليهم ! .
أخي الكريم : لنكن كما قال الله سبحانه وتعالى :
{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }.
إن طبيعة المؤمن هي طبيعة الأمة المؤمنة ، طبيعة الوحدة
وطبيعة التكامل وطبيعة التضامن ،

ولكنه التضامن في تحقيق الخير ودفع الشّر .
وتحقيق الخير ودفع الشّر يحتاج إلى الولاية والتضامن والتعاون ، ومن هنا تقف الأمة المؤمنة صفا
واحدا ، لاتدخل بينها عوامل الفرقة ، وحيثما وجدت الفرقة في
الجماعة المؤمنة فثمة ولابد عنصر

غريب عن طبيعتها ، وعن عقيدتها هو الذي يدخل بالفرقة ثمة غرض أو
مرض يمنع السّمة الأولى

ويدفعها السّمة التي يقررها العليم الخبير !”
وكن على الدهر معوانا لذي أمل يـرجونداك فـإن الحر معوان
واشدد يديك بحبل الله مـعتصما فإنه الرّكن إن خانتك أركان



كاتب الموضوع: اليوسفي


مصمم الفواصل : ҒeДtUЯeÐ


منسق الموضوع : ЯàνЗň »

0 التعليقات:

إرسال تعليق