~|: خصال الربانيين :|~ لنكن ربانين سلسلة من الدروس لتهذيب النفوس ~ Eagles Arts ~ نرقى لنبقى



||~

~| مقدمٌ من فريق Eagles arts|~

~| بقلم : صانعة السلام |~

~| مصمم الفواصل و البنر : K@rem.com |~

الدرس الأول لنــا ..~

~|:حروفٌ من الربانية :|~



الحمد الله الذي أمدنـا بنعمة البصر والبصيرة .. لننظر في عواقب أمرنـا

ونفرق بين حقٍ وباطل ، وعندمـا ننظر بعمق ، ونحاور أنفسنـا بصدق

نجد بأننـا بحاجة لشق طرقٍ عدة منهـا البعيد ومنهـا القصير

ومالنـا من بد لكي نتفقه أكثر ، فإنـا بعد تفكرٍ طويل مسهب نجد بأنّ هنـاك فجوة كبيرة

بل ونرى من بعيد حبلاً طويلاً ممتداً لعنـان السمـاء ، كلمـا اقتربنـا منه لنستكشفه بعد عنّا !

وإنّا نجد من يتشبث به وكأنه يطمح بالوصول إلى الغيوم المرتفعة، أو النجوم العالية

وكلمـا هبت ريحٌ عاصف ، وجدنـاه متشبثـاً عالقاً في مكـانه

وكأنه حقـاً يرتفع ويطمح للوصول إلى السمـاء ، فيال تلك الهمة !

ولكن كيف لنـا أن نكون بجـانبه فنحن أيضـاً لنـا أحلام

ونريد الوصول إليهـا ، وتلك الفتحة بالتفكير بهـا فكيف لنـا أن نسدهـا ونغلقهـا

أعتقد أن هنـاك علاقة كبيرة بين الحبل و الفتحة ، فلننظر في الآية الكريمة

قال تعالى :

{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي

مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ*

وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}

[ آل عمران: 79-80]





صفـات الربانيين تتجلى لنـا في هذه الآية

وكمـا وعدتكم في موضوعي السابق ~حروف من الربـانية ~

وأخبرتكم بأننـا مشرفون على صعود سلمٍ طويل يقودنـا للتشبث بحبل الله سبحـانه وتعـالى

وذلك بإجلاء صفـات الربـانيين ، ويقول الشاعر:

فالزم يديك بحبل الله معتصمـاً ... فإنه الركن إن خانتك أركـان

والآن يكفي تمهيداً للموضوع ، سأبدأ على بركة الله



|~

العلم :

إنّ من الرزايـا الجليلة والمصائب العظيمة التي تفتحت أبوابهـا علينـا فغشت على أبصارنـا وبصيرتنـا

فمـا عدنـا ناظرين في عواقبنـا هي الجهل . نعم فإن الجهل سبب ضيـاع أمتنـا

فبدأ ظلام الجهل يكتسح العقول وأخذ الضوء يتقلص حتى كاد يختنق في الظلام إلا أنه يأبى

العلم صفة من صفـات الربانيين فكيف يربون النـاس ويمشون على نهج رسول الله دون علم !

أو كيف يقرأ القرآن ويتدبره دون العلم بتفسيره والنظر في أمثـاله وحكمه!

وقد قيل :-

أخــو الـعـلـم حــيٌ خـالــدٌ بـعـــدَ مـوتِـهِ ... و أوصالهُ تحتَ التُّرابِ رَمِيمُ

و ذو الجهلِ مَيْتٌ وهو ماشٍ عَلَى الثَّرى... يُظَنُّ مِنَ الأَحيَاءِ و هو عَديمُ


وهكذا فإن العلم حيـاة والجهل إبادةً للعقل ، وقد خلق الإنسـان ذو عقلٍ فكـان خيراً من الحيوان

فإن أباده كـان في ذلك شبيهـاً بالحيوان ،أكلٌ وشربٌ ونوم،ولا غير ذلك!

وفي آيـات عدة فضل الله العالم على الجـاهل فقال جلّ من قائل :

{يَرْفَعِ الله اللّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَ اللّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَـاتٍ}[ المجادلة:11]

وهكذا فضل الله العلمـاء من المؤمنين على غيرهم فرفعهم بعلمهم هذا وزادهم به درجة

ويال الأسف فإن أبنـاءنـا اليوم كثيروا التضجر من العلم ،

ومثـالٌ حيٌ على ذلك تحدثت ذات يوم إلى ابنة خالتي الصغيرة وقد كـانت في الصف الأول الإبتدائي ،

وعندمـا سألتهـا كيف تجدين الدراسة ؟، تجهمت في وجهي وقالت :

" الأستـاذة تعطينـا واجبـات كثير ، ما أحب المدرسة "

وطبعـاً لا ينطبق هذا على الكل ، وإنّ ذلك دارجٌ على تربية الأهل وربمـا الإخوة الكبـار

فالصغـار مقلدون دومـاً لأهليهم في خطأهم وصوابهم .

|~

الإتبـاع :

إن الربانين إن إذا تعلموا العلم تفقهوا من كتـاب الله وسنته ، فليس من العلم قال فلان و فلان

وإنمـّا من وحي الكتـاب والسنة ، وقد قال ابن القيم – رحمه الله – : المعرفة هي الحاصلة عن الدليل.

ومن كان علمه إثر أقوال الآخرين والمفسرين فلم يسم عالمـاً بل مقلداً

ولربّما كنتم الآن مستاءون فإننـا لسنـا أولائك الذين يفهمون كل شيء من كلام العرب

فعنّي صراحةً استصعب اللغة العربية أحيـانـاً

لكنني اعتقد إنه لا بأس بالاجتهـاد والنظر في أقوال العلمـاء وبعد التفقه من علمهم

فلربمـا نتوصل لشيء في القرآن والسنة

أمـا الصفة الثالثة هي : الإخلاص

إن الإخلاص إذا دخل في عمل العبد ازدان وزادت بركته

والإخلاص صفةٌ مطلوبة بالعبد المؤمن ، إذ توعد إبليس عبـاد الله بالغواية واستثنى منهم المخلصين

في قوله تعالى :{ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص: 82-83]

وفي العلم يرتفع العبد درجةً عند الله كمـا ذكرنـا سابقـاً إذاً العلم عبـادة

يجب أن يخلص فيهـا العبد لربه فتزداد بركة علمه ، ولكم رأينـا علمـاء كثر إلا أنهم لم يفيدوا

كغيرهم من العلمـاء مثل ابن تيمية و ابن القيم و ابن عثيمين ، كلهم علمـاء اشتهروا وأستفادوا وافـادوا

ووّقعوا في صفحة التأريخ اسمهم ، ولم يكونوا كبـاقي العلمـاء

اللذين مسح التأريخ اسمهم من طيـات صفحـاته وذلك لأنهم تميزوا بإخلاصهم

|~

العمل:

وبعد كلٍ علمٍ عمل ، فإن العمل ثمرة العلم

وكمـا نرى فالغرب يعمـل ويرقى بعقله رغم قلبه القاسي فهو من الجـانب الديني فارغٌ تمـاماً

لقد استطـاع الغرب الوصول إلى جبـال شاهقة ، وهضـاب عالية ، بل لقد ارتـادوا الفضاء

ومع أنهم رأوا خلق الله ، وعظيم صنعه وروعة خلقه ففضـاء واسع وبحر عميق
إلا أنّهم مازالوا يلحدون !


لقد آتـاهم الله العلم ، والمـادة ليتعلموا ويعملوا ، وهـا نحن نراهم يتقدمون وينجزون

وكلُّ هذا في سبيـل دينهم وانتصـارهم ، وربمـا كـان انتصارهم علينـا

ولكن لا يزال ذلك الجـانب منهم حالك الظلمة ، فهم حتى الآن لم يفهموا

حقيقة الإسلام !

يقول تعـالى:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرَاً مِنَ الْحَيَاةِ الدَُنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هْمْ غَافِلُونَ}[الروم:7]

ما الفائدة من ذكر الغرب وضرب المثـال بهم في حديثنـا هذا

الغرب تعلموا وعملوا لكن لم يحسنوا صنيعهم ففي النهـاية هم لم يذوقوا سوى حلاوة الدنيـا

نسوا مـا سيؤولون إليه ، نسوا مصيرهم الحتمي وكـان علمهم وعملهم للدنيـا فقط

أمـا المسلم فنتيجة علمه وثمرة عمله للدنيـا و للآخرة ، لسنـا كاليهود علمٌ بلا عمل فغضب الله عليهم

ولا النصـارى عملٌ بلا علم فضلوا طريقهم ، بل نحن علم ويُكمٍّل علمنـا العمل

حيث قال الله تعـالى جلّ من قائل :

{ اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }

يقصد بالصراط المستقيم العلم والعمل كمـا قرأت والله أعلم ، وإن حصلت على العلم
وعملت به فابشر بالخير الكثير


|~

التعليم:

تعلمت و عملت ، لكن في المجتمع طلبة للعلم وأنت منهم

لابد أن تكون شخصـاً أريبـاً ، تعلم النـاس وتتعلم منهم فلا عيب في ذلك

أن تعلم النـاس فهذا يعد عطـاء منك ، بل إن كتمت علمك لنفسك تعبتر ساكتٌ عن الحق

وفي قول ابن تيمية " والساكت عن الحق شيطـانٌ أخرس " ، وأن تتعلم من النـاس فأنت إنـسـان و لا تحيط بكل الأمور

بل عليك أن تتسع في علمك أكثر فلا تكتفي بمـا لديك فمن النـاس هم خيرٌ منك

ويجب أن تحـاكي عقليـات الآخرين فمنهم الجـاهلون فعليك أن تكون هينـاً سهلاً في تلقينه العلم

وهنـاك العالم فعليك أن تكون حكيمـاً في تسديد رأيه وتصحيح وجهته ومنهم الكبير فعليك باللطف

فالنـاس أصنـاف تتعـامل معهم بالسهل و على قدر ما يعقلوه فلا تدخل عليهم بأمور كبيرة فيكذبوهـا

ولا صغيرة فيستصغروهـا ، إذاً تعطيهم المهم ومـا يحتـاجون إليه ومـا تستوعبه عقوله

لذا ينبغي أن تكون حذراً حكيمـا في تصرفـاتك وفي تعـاملك مع صغيرهم وكبيرهم .

|~

العزة بالعلم :

والعزة بالعلم يكون بالترفع عن الأغراض الدنيوية ، يقول ابن تيمية : ماذا يصنع بي الأعداء ؟!

إن سجني خلوة ،وإخراجي من بلدي سياحة ، وقتلي شهادة،فأنـا في واد وهم في واد


وسيد قطب رحمه الله لما قيل له: اكتب كلمة اعتذار ونسمح عنك عن الإعدام،

قال: إن السبابة التي تشهد أن لا إله إلا الله لا يمكن أن تكتب كلمة واحدة تقر بها حكم طاغية

ويقول القاضي الجرحـاني في قصيدة طويلة له :


يَـقُولـونَ لِيْ فِـيْكَ انْـقِـبَـاضٌ وَإِنَّمـا **رَأَوا رَجلاً عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا

وَلَـمْ أَقْـضِ حَـقَّ العِـلْمِ إِنْ كانَ كُلَّمَا * بَــدَا طَــمَــعٌ صَـيَّـرْتُهُ لِيَ سُلَّمَا

إذا قِيلَ : هذا مَنْـهَــلٌ قُـلْتُ قَدْ أَرَى * وَلكِنَّ نَفْسَ الحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَــا

ولم أَبْتَذِلْ في خِدْمَةِ العِلْمِ مُهْجَتِي***لأَخْدِمَ مَـن لاقَيْـتُ لكنْ لأُخْدَمَـا

أَأَشْـقَـى بِـهِ غَـرْسًا وَأَجْنِيـهِ ذِلَّةً *** إِذِنْ فَاتِّبَاعُ الجَهْلِ قَدْ كانَ أَحْزَمَا

ولو أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوهُ صَانَهَمْ *** ولو عَظَّمُوهُ في النُّفُوسِ لَعُظِّمَا

ولكـنْ أَذَلُّـوهَ فَهَـانَ وَدَنَّـــسُـــوا **** مُحَيَّــاهُ بـالأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا



وهكذا فإن المطـامع الدنيوية لا معنى لهـا إن كـان بيدنـا العلم فكثيرٌ من يعيش في شظف

إلا أنّ الابتسـامة تعلوا محيـاه في طلبه للعلم ، فالعلم عزة

|~

مخـالطة النـاس :

في مخـالطة النـاس للعـالم خيرٌ كثير فكيف للعـالم أن ينقل علمه دون أن يختلط بمن حوله

وهل سيعرف كيفية التعـامل مع أصنـاف المجتمع دون الاحتكـاك بهم ؟

فإنه بحـاجة لنشر علمه ، بحـاجة لتعليم الصغير و الكبير

فلن تقوم الأمة إلا بنـاس صالحين مرشدين للحق ، بلطفٍ ولين ، بابتسـامة ترتسم على الوجه

بعبـارة أخرى الصـالحين هم عمـاد الأمة لكن ليس بالقوة و السيطرة بل بحسن التعـامل واللين

|~

التواضع :

كلنـا نعرف التواضع ولطالمـا سمعنـا عنه لكن تواضع الربـانيين مختلف

لكثرة مـالك تتواضع للنـاس فتكرمهم ، لعلوا جاهك تتواضع مع النـاس فتحدث لصغيرهم وكبيرهم

لعظيم شأنك تمشي بالطرقـات بين النـاس وتتبسم لهم

ليس هذا وحسب بل لتواضعك لم تكتفي بقدر العلم الذي معك ففي سـاعة تكون خطيبـاً وساعة تكون مخـاطبـاً

فلا تخجل من تزودك من العلم ، وبل وتبـادر من أجله وتبذل الغالي والنفيس.

وذات يوم كـان الإمـام أحمد بن حنبل يركض ونعلاه في يديه في أحد شوارع بغداد

فقـال له أحد تلامذته :يا أبـا عبد الله إلى متى تركض ؟! قال: إلى الموت

وفي قصة أخرى قيل له : فقـال : مع المحبرة إلى المقبرة

فالربـّانيون لا ييأسون من التعليم والتعلم ويدأبون في السير على نهج علمهم ولا يفترون .

في التجـادل مع من هم أفقه منك تكون مخطئاً أحيـانـاً فقبول الحق يعد تواضعـاً

واللجوج يصرخ ويحـارب بكل ما لديه وإن لم يكن لديه حجه ومعنى اللجوح المغلوب

فلا تكن لجوجـاً إن كـان لديك حجة فيمكنك قولهـا بكلّ هدوء وإن اتضح الحق معك فذلك خير

وإن كـان ضدك فذلك خيرٌ كثير فلا تستمر في خطأك بل تقبله

تواضع تكن كالنجم لاح لنـاظرٍ ... على صفحـات المـاء وهو رفيع

ولا تـك كالدخـان يعلـوا تجـبـراً ... على طبقـات الجـو وهـو وضيع

|~

الصفة الأخيرة السمت والوقـار :

وهذه الأخيرة مـا هو السمت ومـا الوقـار ؟ السمت : هو السكينة , والوقـار : هو الحلم والرزانة

فيجب أن تكون حليمـا لا تغضب إن لم ينصت إليك الجـاهلون

وفي رسولنـا محمد عليه - أفضل الصلاة والتسليم - اسوة حسنة

فكـان مثـالاً للسمت والوقـار ورغم هيبته ومع ذلك فقد كـان يمـازح الصحـابة ويداعب الأطفـال

و العـالم الرباني إذا دخل مجلسـاً وقف الجميع لحضوره حتى جلوسه وسكت الجميع لحديثه



وفي آخر المطــاف ، فإن ّ خصلة من الربــانية قد تكون كفيلاً في إيصـالك لمبتغـاك

لكن لا تكتفي بهذه الخصلة بل حــاول الحصول على خصلةٍ أخرى فقد قال - صلى الله عليه وسلم -

" إنمـا العلم بالتعلم والحلم بالتحلم "

وهنـا يمكن أن نستمد من هذا الحديث أنّ الصفـات هذه الصفـات مكتسبة باستطاعتنـا الحصول عليهـا

هذا وحسب أحبتي ولقد أطلت عليك حقــاً فاعذروني لطول حديثي

وإنّمـا أرجو إفـادتكم ولا غير ، واعذروني لتأخر هذا الدرس فقد وافتني ظروف قاهرة

وأيضـاً أعذروني إن قصّرت ففي النهـاية هو جهدٌ بشري لا يكتمل

والآن أحبتي الكرام أختم بكفّارة المجلس

|~سبحـانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك اللهم وأتوب إليك ~|

0 التعليقات:

إرسال تعليق